فتحنا أنا ومن في سني من لداتي وأقراني. أعيننا على المسجد النبوي الشريف. وفي كل ركن من أركانه، وجنبة من جنباته، حلقة من حلقات الدروس، التي تتناول جانباً من جوانب المعرفة سواء في الشريعة وأصولها، أو اللغة وآلاتها بل والكثير من جوانب المعرفة الأخرى، وذلك حسب برامج مجدولة، على مدى المدة الزمنية، التي تظل فيها أبواب المسجد مفتوحة، من قبل صلاة الفجرة بساعة، إلى ما بعد صلاة العشاء، ماعدا شهر رمضان الذي يظل المسجد فيه مفتوحاً على مدار الساعة على امتداد الشهر الكريم.
والدروس تلك، ينهل من معينها كل من يقدر له حضورها ولو مروراً ومصادفة مثلما ينهل منها المداومون المنتظمون عليها. ومع أنها من الكثافة كما وصفت، مع توفر العدد الجم من أصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء الذي كانوا يلقون تلك الدروس غير زفرات الحزن والأسى، ما كانت تنقطع يومئذ من بعض أساتذتنا، ومن كل من كان يكبرنا سنا، حين يتذكرون ما كانت تحفل به مواقع المسجد من حضور علمي مكثف، ثم أصبح أثرا بعد عين.. وكان زفراتهم تلك هي تجاوب صادق مع شيء يرونه هم ولا نراه نحن وهو بكاء تلك الأماكن الطاهرة من المسجد الشريف، على الأماجد الأماثل، الذين كانوا يعمرونا بذكر الله عز وجل، مع سعي دؤوب منهم، لإحياء المعرفة وإماتة الجهل.. فإذا استحق فقدهم أن تذرف عليه دموع الجماد، أفما كان من الأخرى والأولى، استحقاقه لتلكم الزفرات الحرى، التي كانت تخرج ولا تزال من صدور الذين فقدوا ما الفوا من علماء اجلاء كانوا نجوم دجى لا تكاد سارية من سواري المسجد النبوي الشريف تخلو من سطوح ضوء واحد منهم في حلقة مضاءة بنور القران الكريم يفوح من شذاها عبق الحديث النبوي الشريف.
أن المسجد النبوي المطهر هو اليوم ارجب ما يكون من حيث المساحة واجمل ما يكون من حيث البناء وان ما توفر له من حيث التجهيز وتكييف الهواء وجلب ماء زمزم المبدر اليه وبل وسائر صنوف الرعاية والنظافة التي لا مزيد رحال طلبة العلم من شتى الافاق فمن هذا المسجد خرج وتخرج عالم المدينة الإمام مالك بن أنس الأصبحي وكان من طلبته الذين وفدوا اليه ونهلوا من معينه الثر، الإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي، ومعن بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي، ومطرف بن عبد الله الهلالي، وعبد الله بن وهب بن سلم القرشي، وعبد الرحمن بن مهدي الأزدي، ومحمد بن المبارك بن يعلى القرشي، والوليد بن السائب القرشي الدمشقي، ومحمد بن الزبيدي، وسويد بن سعيد بسهل الانباري، واشهب بن عبد العزيز القيسي العامري، ومحمد بن الحسين بن فرقد الشيباني الكوفي، وعشرات غيرهم تلقوا العلم عن عالم المدينة في مسجد المدينة.
والخلاصة أن المسجد النبوي المطهر هو اليوم مثل الكثير من المساجد الجوامع التي هي في أمس الحاجة إلى اعادة دورها ووظائفها إليها إذ ليست الصلاة هي وحدها وظيفة المسجد في الاستلام وأما تعطش الناس ولهفهم على التلقي وسماع الهدى فأمر حدث عنه ولا حرج ، وليس من شيء أكثر من دلالة عليه في المدينة المنورة من أمرين اثنين أما احدهما أنه ما من متحدث إلا والرغبة في الانصات.
أما الأمر الآخر فهو من العجب بمكان.. وهو اسماع الناس ي بعض الاوقات وعقب بعض الصلوات دروسا مسجلة على الأشرطة مضن أزمنة طويلة على المدينة قد خلت من العلم والعلماء .. وهي التي أخير الصادق للصدوق صلى الله عليه وسلم (( إن الإيمان ليأزر كما تأرز الحية إلى جحرها)). ومع كونها مقر في الجامعة الإسلامية التي هي منيع العلم ومصنع العلماء

7,448 total views, 1 views today


Shares