شموخ عال ، وأختٌ للرجال ، والحديث عنها لا يكفيه أي مقال ، بل سيكتب بمداد من الحب وبريق الجمال ، هي نموذج قد لا يتكرر كثيرا في عالم القدوات..
ليس في أمر الأمومة أتكلم ، فهذا أمره جلل ، وسيعجز قلمي أن يخط فيه حرفًا ، فقد كانت أمًا لعائلة ، أمًا لمجتمع ، البعيد فيه قبل القريب يتلقى منها التربية والتوجيه والتذكير والصلة والبر والرعاية،
والحديث عن النهايات ألم موجع ، تنكسر له القلوب وتهدم معه الأجساد ومساحات الذكريات تأن بألم الحنين ،لكن اليقين برحمة رب العالمين وبشائر النهايات للراحلين تثلج صدور الفاقدين وتربط على قلوب المحبين، وحول صورهم ترسم أزاهير الياسمين وتوعدك بلقاء جميل عند رب رحيم.
رحلت أمي -حبيبة _ وبقي شذى عطرها فواحًا برائحة القدوة ، وشذى المربي ، وعطر الفخر. حديثها حكمة تجري و صمتها وقار يسري.
لملمت ذاكرتي لأستوعب رحلة الشموخ ، من بدء حياتها يتيمة صغيرة -في حكاياتها لنا عمرها لم يبلغ السادسة – وشظف العيش في البادية لهم عنوان ، تتنقل من مكان لآخر – مع أمها واخوتها-طلبًا للرزق ،هذا ربيعٌ وفرحة الأغنام وهذا صيف وفرحة جني الثمار ، وعقود تتلوها عقود تتوالد معها المهمات وتقوى فيها العزمات ، وتنضج و تكبر حبيبة ويكبر معها الأمل والبناء وتتأكد فيها حياة العطاء بثباتها وصبرها على تغيرات الحياة في أكثر من مكان مع اختلاف الأجناس والألوان وفقد الأحباب والأصحاب ومع صراعات السنين ومفارقات الأجيال تصل إلى عمر يناهز التسعين لتؤكد أنه حتى وإن لم يكن للتعليم حظ في أن تكون أحد رواده وقواده الا انه حظي بقدوة ،وهل التعليم إلا قدوة.
فبلطف الكلام ودماثة الاخلاق ورزانة العقل والصدح بكلمة الحق والبر وصلة من عرفها من قريب أوبعيد بذكرى وسؤال والبذل وسخاء اليد ، تؤكد لجيلها وجيل أبناءها وأحفادها ومن بعدهم أن القدوة وغراسة القيم وبناء الإنسان ليس بالمحال مع الإخلاص وقوة الارادة وصدق الإيمان .

وهكذا هي حياة من يبقى لهم أثر ، الحياة تصقلهم وتزيدهم همة فوق همة وعزيمة وارادة .
أجساد رحلت تحت الثرى ،وذكرهم غيمة ماطرة لأرواح أجسادها على الأرض
رحمك الله أمي رحمة واسعة ، وحشرك الله مع الصالحين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.

 

بقلم/سارة الصحفي

 

5,958 total views, 1 views today


Shares